الخميس، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٠

مرايا ..

أقفُ  والمرآة بجَانِبي .. اعتدلُ واستقبلُهَا بوَجْهِي .. ابْتَسِم فيَعبُس , أعبُسُ فيبتسِمْ  .. أتَّخِذُهَا واقِفَة عن يميني .. أغْرِس جَانِبْي الأيْمَن لداخِلِها ليَخْرُجَ من الطرفِ الآخر وأُواجِهُه  . نِصْفِي يقابل نصفي .. ألِجُ بِكَامِلي للمِرآة ليَخْرُج كَامِلي ..
يقفُ والمِرآة أمَامه  يَرفَعُ حَاجِبَهُ الأيْسَر لأرْفَع لَه الأيْسَر , يُنْزِله و يَرْفَع الأيْمَن فْأَرْفَع الأيْمَن .. يَدْخُلَ بِنِصْفِه الكَامِل  لأخْرُجَ بنِصْفِي الكَامِل و يُواجِهُني ..  نِصْفِي يَنْعَكِسُ لنِصْفِي , يَدْخُل الأيْمَن ويَخْرُجُ الأيْمَن .. كُلّي يواجه كُلّي  ..أقِفُ مُوَاجِهاً نَفْسِي  بالمرآة .
أدْخُلُ بِجَانِبي الأيْسَر ليَخْرُجَ جَانِبُه الأيْسَر .. جَانِبْي الأيْمَن يُواجَه جانبه الأيْسَر نَنْفَصِل عن المِرَآة يَلْتَحم نِصْفِي بِنِصْفِه .. انْسَلُّ خَارِجَاً مُعْتَدِلاً لأرَى انْعِكَاسِي  بالمِرَآه ابْتَسِم ليَبْتَسِم أرْفَعُ حَاجِبِي الأيْسَر ليَرْفَع حَاجِبَه الأيْمَن المُوَاجِه ليُسْرَاي .. يَبْتَعِدُ خُطْوَة لِوَرَاءِه لأفْعَلُهَا مِثْلِه .. خُطْوَة بخطوة ..

الاثنين، ١٣ ديسمبر ٢٠١٠

من حكايا البلدة " الأرض اتكلمت "

ابتلَّت الأرض و أوحَلَتْ , انغرست بأديمها سيقان السيد وِلد حسان , ومحمد وِلد أبي عسل يرفعون فؤوسهم المستقرة متقاطعة بأيديهم .. تحت السماء المُغَيَّمَة  تصارع وِلد حسان مع وِلد أبي عسل على الحدود بين أرض كل منهم اجتمع الناس من القريتين عند حدود الأرضين الحدود ذاتها للقريتين فألقى كل منهما فأسه و أمسك وِلد أبي عسل الحبايبي السمنودي  بخُنّاق  وِلد حسان الشرمبابلي المحلاوي على مترين يفصلان بين أرضيهما و قريتيهما ومركزيهما .. أرض آل أبي عسل تستقر جنوباً وغرباً من أرض السيد حسان ,
 ميت حبيب السمنودية تقع بالجنوب الغربي لشبرا بابل  المركز المحلاوي  الكبير  ذي  المعاهد الأزهرية والمدارس  , والنفوذ والسطوة والقوة .. أنا  لا أعرف أحداً من وِلد حسّان ولا وِلد أبي  عسل ولا أعرف أحدا بشبرا بابل  ولكن ما أعرفه  أن أحدهم صرخ ينهي التشابك مستعينا بيديه  مقترحا الذهاب للعمدة يحكم بينهما فقال  آخر كل عمدة سيكبر مساحة زمامه  ولا نضمن هواه  واقترح بأن يذهبوا جميعاً حالاً للشيخ فراج .. الرجل طيب اللسان قوي البيان حاد كسيف هندي يُحِق الحق , لا هوى يُضله   ولا مصلحة لديه فلا هو صاحب الأرض ولا عمدة البلد .. الرجل يحكم بالعادل الصالح معقول القول موثوق الحكم .. ترك أبو عسل فتحة صديري وِلد حسان قابلا قول الرجل وحكم الشيخ فراج  و كذا قال وِلد حسان .. اليوم شتاء انخلعت عنه البركة  اجتمعوا بعد العصر بالساحة أمام  منزل الشيخ فراج ودخل صاحب الاقتراح ومعه السيد حسان ومحمد أبي عسل ليخرج أربعتهم ويرفع الشيخ فراج صوته بساحته موضحأ أنه رجل دين لا دنيا يجهل من الحساب والمساحة ما لم يمكنة من الفلاحة فكيف له بالحكم بما ليس له به علم , معتذرا عن التحكيم لئلا يَظلم فيُظلَم أو فتنة في البلدة .. وينصح بمحكِّم له من المحاسبة حظ و له في التقسيم يد و في التنفيذ بُد ورشح  الشيخ عبدالعزيز أبي فودة ..


والشيخ أبو فودة  ليس  شيخا عالماً حقاً .. شاخت صفحة وجهة واشتعلت رأسه ولحيته شيباً فخلعوا عليه اللقب إجلالا  , ولم يحصد الإجازة الأزهرية و إن كان يقسم أنه يستحقها واشتغل بالتجارة والحياكة  بعد الأزهر .. له بالمساحة و المحاسبة والتقسيم  والمواريث علم  و بالقرآن والسنة حفظ , يرتدي الجُبة من صنع يده ويصنع مثلها والجلابيب لمريديها  ,  ويعتمر العمامة ,  ويصبغ بالحناء لحيته ..  تلمح بوجهه سماحة وبلسانه فصاحة ,  يرسم الخطوط ويسر الناظرين برسمه بالجدارن و من حول البوابات , و يُلقي الدروس بعد المغرب , وبعد المغرب  اليوم حلقته كانت عن الأرض  شهد وحمد و سلم و صلّى وأثنى وسمع المختصمين , بدأ بوِلد حسان ابن بلدته يقول : يا سيدنا : الأرض 6 قراريط ربع الفدان أخذها  أبوه من أبي  وسامحه فيها أبي و أوصى أباه بأنها لي متى احتجتها ومات أبوه ومات أبي و أنا أحتاجها الآن فكيف أُمنع حقي " ثم تحدَّث ابن أبي عسل " يا سيدنا ما لنا من فصاحتك ولكن تطمئننا سماحتك , استأذنني السيد وِلد حسان بالنصف فدان يجعلها صومعة للخزين والحصاد فأذنته بالربع فقط يحصد ويجمع ويملأ يكوِم التلال بها إلأى أن احتجتها فأفرغها مشكورا وجدته يحرثها فشكرته وقلت هذا والله كثير فقال إنه يردها كما أخذها ولا كثير على ابن الأصول  و وجدته يبذرها فقال إن الأرض أرضه ولازم يبذرها  .. أرضه؟؟  كيف هي أرضه ؟؟ وأنا  أعطيتها له  أخدمه  فيرد الخدمة بالسرقة "
يؤذَّن للعشاء و يقوم للسُنَّة وقبل أن ينخرط فيها أجَّلَ  الحكم   للربيع ..حيث لا ماء ولا غيم , ولا وحل  ولا مطر .. وليأخذ وقته للتدبر والحساب والمعاينة ..
للشيخ أبي فودة زوجة , والزوجة اسمها الحاجة صبحية تُكنّى بأمِ فودة .. لم تُرزق بفودة ولم تحج لتحمل اللقب .. زوجة الشيخ لابد وأن حاجة .. فودة هو ابن السابقة  قبل أن يُلدغ الشيخ المؤمن بذكره عندما استلقي وغفا بأرضه  ليستيقظ على اللدغه و نعومة جلد الثعبان الهارب من فتحة سرواله .. الثعبان لم يقتله بل أصاب رجولته بالخدر إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاً .. لتصير  صبحية الثلاثينية البكر  أما لفودة وزوجة لأبي فودة .. وكما تحفظه الحاجة صبحية  يحفظها أبي فودة بالمشورة والرأي , وتنفيذ ما تشير أو تأمر .. تقول أم فودة :  أن الأرض في الأصل ملك وحق أصيل لشبرابابل منذ الجدود , و الوقت حان لتستريح عظام التربة فلتريحها يا أبا فودة ..


اتّفق للربيع  أن يأتي ويجتمع الناس على رأسهم  كبراء القريتين عند مفرق الأرضين  ويؤتى ببقرة يجتمع عليها إثنان من شبرابابل وإثنان من ميت حبيب ويقبل عليها أبي فودة بعد أن يطرحوها أرضا ويوثقونها ليرفع سكينه ويتلو بعد اسم الله  " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً " ويكبر ويذبحها و تُسقى الأرض من دمها بعد هجران المتنازعين لها  و يسأل أبو فودة الأرض موضع الخلاف باسم الله أن تقولي الحق  لأيهما تتبعين بيت حسان أمْ بيت أبي عسل ..
الأرض يستقر بتجويف بها صديقُ لقودة أتى به أبو فودة و حفرا بالأرض تجويفا وغطاه بألواح خشبيه وموهها  بطين وحصى .. بالداخل يجرب صديق فودة صوته ليخرج صوتا رخيما يليق بأرض تتحدث لأول مرة من سنين مطالبة بعودتها لصاحبها الأصلي  أو بلدتها الأصلية : يقول  كما اتفق معه أبو فودة " باسم الحق الوكيل الحسيب أنا لبيت الحسان بن المحسن وِلد حسان " .. يتفق الجميع ويوافق على  الحكم  مكبرين مهللين للأرض التي تكلمت والشيخ الولي الذي كلمها .. يأكلون من البقرة ومن ضأن ذبحه وِلد حسان احتفالا ..